رموز الحكمة في الكتاب المقدس : الخراف
قلنا ان السيد المسيح له المجد استخدم عدة تعابير ورموز في كلامه الموجه لتلامذته اولاً ولعموم الناس على مر الأجيال ثانياً وهذه التعابير او الرموز منها ما هو اقرب ما يكون للخيال منه الى الواقع ، والا فما معنى ان يصف المسيح تلامذته الذين عليهم مهمة تغيير العالم وقلب موازين الأمور وادارة الدفة بعكس اتجاه سير التأريخ البشري وقلب الطاولة على الطواغيت والظالمين في عصر المجي الاول او الثاني وصفهم بانهم كالـ(خراف) ؟!...فهل يوجد كائن على هذا الكوكب هو اضعف من الخروف ؟.. الخروف هو الذي دائماً يقترن ذكر اسمه بالذبح والولائم والافتراس وسلب الإرادة وغيرها من الفعاليات التي تقام ضده على مر العصور منذ ان خلق الله الإنسان ممثلاً عنه في هذه الأرض ، وهو كان ولا يزال اضعف من ان يعترض او يخالف القدر الذي وجد نفسه معد لأجله منذ ابصار النور ومعرفة الحياة المادية ، لكن نرجع ونقول ان هنالك سر عظيم وراء اختيار السيد المسيح له المجد لهذا الوصف الدقيق لتلامذته سواء من كانوا هم بطرس ويوحنا واندراوس وفيليبس وغيرهم من باقي الرسل الاوائل الاثني عشر او كان يقصد تلامذته في التجديد او عصر المجيء الثاني والذين شرحنا قضيتهم مفصلاً في مقالات اخرى وقلنا ان الخطة الالهية لحركة المسيح الثانية في الزمان الأخير ستشهد ظهور 12 تلميذ تابعين للمسيح ومرافقين له في مسيرته في تغيير العالم واقامة مملكة الآب على الأرض ، وهؤلاء الاثني عشر الجدد هم امتداد لأولئك التلاميذ الرسل الأوائل الذين غيروا التأريخ قبل اقل من الفي عام تقريباً ، وكلا التلاميذ سواء الجدد او القدامى لا ينفك عنهم تعبير " الخراف " لأننا اثبتنا وقلنا ان الانجيل يصلح لكل العصور والازمنة ولا يمكن تحديده بعصر انساني دون الآخر ومن يدعي عكس ذلك عليه الإثبات ، وما دام الرب وصفهم انهم – اي تلامذته التابعين – هم كالخراف اذن علينا ان نفهم ما معنى هذا الوصف ولماذا هذا الكائن الحي بالذات دون سائر المخلوقات ، وماذا يميزه عن غيره ممن استخدمهم الانسان عبر العصور في قضاء حاجاته ؟ ان الجواب يستخلص من خلال الرجوع لمواصفات هذا المخلوق ومميزاته التي يتفرد بها عن نظرائه ، فمن صفاته انه اطوع الحيوانات لراعيه واكثرها تسليم وانقياد دون اعتراض او نفور او حيود ، وهذه من اهم الصفات التي يتميز بها تلامذة الرجال الإلهيين حيث يعتبر شرط الانقياد والتسليم وعدم الإعتراض من اهم مميزات من يريد الالتحاق واتباع المعلم الالهي ، واما من يعترض كثيراً ويحتج فهو غير صالح لأن يكون جزء من المشروع السماوي العظيم بتغيير العالم وقيادة الكون واقامة مملكة الآب الأرضية ، والدليل على ما نقول هو النص الانجيلي التالي الذي يركز فيه المسيح على قضية الانقياد والتبعية للرجل الإلهي (من احب ابا او اما اكثر مني فلا يستحقني ومن احب ابنا او ابنة اكثر مني فلا يستحقني ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني ) وقال في نص آخر ( انا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة ) اذن مسالة الانقياد والتبعية للرجل الإلهي من اهم الشروط الرئيسية لكي ينجو الإنسان ويسلك في مسلك الخراف التابعة للراعي الحقيقي ، واما الاعتراض فمعناه الخروج من حظيرة الرب ومن يخرج من الحظيرة تفترسه الذئاب ويصبح فريسة سهلة ولقمة سائغة ، ومن صفات الخراف الاخرى المهمة هي معرفتها وتمييزها لصوت الراعي الهادر فتتعرف عليه من بين عشرات بل مئات الرعاة الكاذبين الذين يرتدون ثياب الراعي الحق وينتحلون شخصه الشريف ولهذا نجد ان رعاة الاغنام يتكلون اتكالاً كاملاً على ذاكرة الخراف المميزة التي اودعها الله في هذا الكائن العجيب حيث تميز صوته وصفيره اليها ولو من مسافة بعيدة ، وبهذا الصدد وصف المسيح تلامذته المخلصين انهم لا يضلون ولا يتيهون ولا يتعبون في التعرف على صوت الراعي الإلهي ولو تركهم لمدة من الزمن حيث قال في انجيل يوحنا (ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي، كما قلت لكم. خرافي تسمع صوتي، وانا اعرفها فتتبعني. وانا اعطيها حياة ابدية، ولن تهلك الى الابد، ولا يخطفها احد من يدي. ابي الذي اعطاني اياها هو اعظم من الكل، ولا يقدر احد ان يخطف من يد ابي. انا والاب واحد». ) ومعنى ذلك ان اتباع المسيح الحقيقين والمختارين في عصر المجيء الثاني سيوفقون للتعرف على المسيح الحقيقي من بين المسحاء الدجالين وسيميزون صوته اي علمه وملامح دعوته من بين كل الادعاءات الباطلة للدجالين الذين يقومون بالسحر والشعوذة لإضلال لو امكن المختارين ايضاً ،و لكن الصفة المميزة التي اودعها الآب في صميم قلوبهم الصافية ونفوسهم العظيمة هي في كيفية التعرف على الصوت الهادر وتمييز ه عن الاصوات المزيفة الأخرى ، وصوت الراعي هنا يشير للعلم المقدس والمعارف الالهية بجوهر وروح الكتاب المقدس وكشف اسراره التي عجز عن معرفتها كل المفسرين المسيحيين على مر التأريخ
وان من صفات الغنم انها تضحي بنفسها في سبيل الراعي وفي سبيل مسيرتها المقدسة ، لان الذئاب اذا ما هاجمت القطيع فان الراعي يدافع عنها بشراسة الا ان الغنم قد يسقط منها واحد او اثنان بسبب شراسة الهجمة وكثرة الذئاب بحيث يعجز الراعي في بعض اللحظات عن انقاذ بضعة منها وانها – اي الخراف – تعلم ان مصيرها للذبح ولكنها تنساق وفق الفطرة السليمة التي اودعها الخالق العظيم في نفسها الى قدرها ولأجل هدفها المقدس المعد لها منذ الازل ، وكذلك الحال بالنسبة لتلامذة المسيح الأوائل حيث حملوا صليبهم كما طلب منهم المسيح على ظهورهم وواجهوا الحتم والموت وذاقوا المعاناة لأجل قضيتهم الإلهية وسطروا بدمائهم اروع ملاحم التضحية وانتشرت المسيحية لكل الأرض بالدماء الطاهرة لبطرس واخوته التلامذة الباقين . واما في المجئ الثاني فإن التضحيات تكون اعظم للتلامذة الجدد الذين يوفقون للقاء المسيح في عودته للعالم من جديد حيث بعد ان يكشف لهم عن نفسه وذاته العظيمة يصبحون على اهبة الاستعداد لتقديم انفسهم قرابين تحت اقدام معلمهم وفي سبيل اقامة مشروعه المبارك في اقامة مملكة الآب على الأرض مملكة داوود وسليمان التي هو الوريث الشرعي لها دون الناس ، ويتقدم بعض منهم للذبح مثل الخراف وليس شرط التعبير عن الذبح هو السكين بل ان عصر المجيء الثاني يشهد استخدام اسحلة اخرى غير الاسلحة القديمة التي تستخدم للقتال ، وبواسطة الاسلحة المعروفة والمستخدمة في الجيوش المتحاربة يسقط بعضاُ منهم على طريق الحرية وطريق الاله الممجد القادم لخلاص الأرض وتغيير العالم وموازينه .
ومن صفات الخراف انها تسير كمجموعة واحدة موحدة غير منقسمة وهو السر في قوتها وكما يريدها الراعي الالهي ان تكون مجتمعة مع بعض غير متفرقة ولان اهم الامور التي تستغلها الذئاب المفترسة المتربصة بالقطيع هو تفريق بعض الغنم لتسهيل الفتك بها ولتشتيتها عن وحدة الهدف واستقامة الطريق والمسيرة واشار المسيح لهذا المعنى في الحادثة التي تلت العشاء الأخير حيث تبدد التلامذة بعد ان تم القبض على الراعي (حينئذ قال لهم يسوع: «كلكم تشكون في في هذه الليلة لانه مكتوب: اني اضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية. ) ان ضرب الراعي لهو امتحان عسير لا بد ان تمر به كل الخراف التي تجتمع حول الرجل الإلهي ان الآب يمتحن الأنسان ليرى مقدار صبره وثباته ، ولتتم مشيئته في بعض الناس وتجري الاقدار وفق المقرر لها ، ولكن مهما يكن فأن غيبة الراعي لا بد ان تنتهي ولا بد أن يعود لقطيعه وان يتجمعوا من جديد حتى لو مضت فترة طويلة من الزمان وترك بعض الخراف القطيع الأوحد الذي حرص عليه معلمهم الألهي وراعيهم المقدس فان الراعي بصوته الهادر يدعوها للالتحاق من جديد ويصفر لها من بعيد فتتعرف عليه فتأتيه منكسرة وفرحة في ذات الوقت ليجبر كسرها كما وصف الكتاب (ضلت غنمي في كل الجبال وعلى كل تل عال.وعلى كل وجه الارض تشتتت غنمي – الى ان يقول - هكذا قال السيد الرب هانذا على الرعاة واطلب غنمي من يدهم واكفهم عن رعي الغنم ولا يرعى الرعاة انفسهم بعد فاخلص غنمي من افواههم فلا تكون لهم ماكلا. لانه هكذا قال السيد الرب.هانذا اسال عن غنمي وافتقدها. كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة هكذا افتقد غنمي واخلصها من جميع الاماكن التي تشتتت اليها في يوم الغيم والضباب. انا ارعى غنمي واربضها يقول السيد الرب. واطلب الضال واسترد المطرود واجبر الكسير واعصب الجريح وابيد السمين والقوي وارعاها بعدل) والواضح ان مسيرة المسيح العائد ستشهد تبدد بعض الغنم بسبب مطاردات الحكومات الظالمة التي تفترس بعض الغنم وتطردها للجبال وفيها اشارة الى تبددها في البلدان وابتعادها عن القطيع المقدس الموحد للمسيح الراعي الإلهي رغماً عنها ، الا ان وعد الآب في كتابه المقدس ونبوءاته العظيمة يتجلى في اجتماعها موحدة من جديد تحت راية المخلص المرتجى ، الذي تعبت القلوب وملت انتظاره لسنوات بل قرون عديدة والنتيجة النهائية هي جبر الخواطر ومداواة القلوب المنكسرة بسبب غياب المخلص الإلهي مسيح الرب وما اعظمه من طبيب مداوي للقلوب الحزينة والنفوس المجروحة .
0 التعليقات: