ما لا تعرفه عن معنى قول السيد المسيح "مملكتي ليست من هذا العالم"
ورد في انجيل يوحنا هذا النص«مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا»(يو36:18)
وهي من النصوص التي استدل بها الآباء على ان المسيح لن يملك على الأرض ، نقول ردا على هذا الكلام ان المعنى واضح لو تمعنا في الكلام جيدا ، فيسوع له المجد يقصد ان مملكته ليست من هذا الزمان ولا يقصد انه لن يحكم العالم المادي ..فالنفي هنا جاء للزمان لا للكلية كما يقال ..فلقد اثبتنا من خلال جملة من النصوص الكتابية من العهد القديم وكذلك من العهد الجديد ان الرب قد ثبت ملكوته الأرضي الى جنب الملك الروحي نذكر منها هذا النص الذي يقول ( فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل والمسمن معا وصبي صغير يسوقها والبقرة والدبة ترعيان تربض اولادهما معا والاسد كالبقر يأكل تبنا ويلعب الرضيع على سرب الصل ويمد الفطيم يده على جحر الافعوان لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي مياه البحر )( اشعياء 11 : 6- 10) من الواضح من التفاصيل التي ذكرت هنا في هذا النص ان مملكة الرب ارضية وليست سماوية اضافة الى نصوص اخرى على سبيل المثال في سفر الرؤيا : ( ورأيت عروشا فجلسوا عليها وأعطوا حكما ورأيت نفوس الذين قتلوا من اجل شهادة يسوع ومن اجل كلمة الله والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا السمة على جباههم وعلى ايديهم فعاشوا وملكوا مع المسيح الف سنة ، واما بقية الاموات فلم تعش حتى تتم الألف سنة ، هذه هي القيامة الاولى . هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم بل سيكونون كهنة لله والمسيح وسيملكون معه الف سنة ، ثم متى تمت الألف سنة يحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الامم الذين في اربع زوايا الارض يأجوج ومأجوج ليجمعهم للحرب ..) (رؤ 20 : 4- 8 ).
وهناك نصوص اخرى لم نذكرها مراعاة للاختصار .
ولا يعقل ان المسيح يأتي فيخالف النبوءات التي تتحدث عن اقامة مملكة عادلة على الأرض يسود فيها المحبة والسلام بين بني البشر ، فالمسيح جاء ليتمم كما قال هو في الانجيل وليس لكي ينقض ..وهذا مما لا خلاف عليه ، واذا كان المسيح قد اتى كي يحقق النبوءات لا يعقل ان ينفيها في نفس الوقت فهذا تناقض وحاشا الرب ان يقع في تناقض لأن التناقض من صفات الناس العاديين وليس من صفات الرجال الالهيين كالمسيح ...هذا اولا ..اما ثانيا فالحديث عن قول المسيح ان مملكته ليست من هذا العالم او من هذا الزمان يستلزم ان نتحدث قليلا عن شروط اقامة الممالك والحكومات في كل زمان ومكان ، حيث نعلم ان اي ثورة اذا ما كان هدفها تغيير الواقع وقلب الأمور والموازين فهي بحاجة الى جملة عوامل ومجموعة مقومات ومن هذه المقومات ان يكون الشعب على مستوى التهيئة الذهنية والنفسية لتقبل التغيير الذي سيحصل على يد الرجل الالهي من سيثور على الظلم والطغيان والجبروت ، اولا ..وثانيا ان يكون القادة الذين يساعدون الثائر ذاك مستعدين تماما للدفاع عن قائدهم ومعلمهم ..وكلا هذين العاملين نجد انهما لم يكتملا بشكل صحيح في زمن المسيح كي يقيم مملكته العادلة ..فالشعب اليهودي كان نعم يتوق الى المسيح كما يقول الانجيل بسبب سياسة الظلم لكنه كان في ذات الوقت منقاد وتابع للمعبد اليهودي ويسير وفق اقوال وافعال رجال الكهنوت والكتبة والدليل هو المعاناة التي عاناها المسيح بسبب محاولته لهدم الركيزة المعبدية لو صحت العبارة فهم لم يكونوا على مستوى المسؤولية اقصد الشعب اليهودي لكي يتمم وعد الرب وينهض المسيح بمشروع التغيير الذي نتحدث عنه والدليل قول المسيح لهم : ( هذا الشعب يكرمني بشفتيه اما قلبه فمبتعد عني بعيدا ) وبالتالي لم يجد المسيح اهم العوامل التي تعينه على اقامة مملكة الآب كي يقبل دعوة الشعب له لاعتلاء كرسي المملكة ، لأنها في نظره دعوة جوفاء خالية من الجوهر الصحيح والسليم . اما التلاميذ او القادة الذين يفترض ان يكونوا في الذروة لأعانة قائدهم العظيم المخلص السماوي فهم الآخرين كانوا مستضعفين او ضعفاء ولم تكن في يديهم القوة الكافية لتغيير العالم بل كان قدرهم ان يقوموا بالكرازة وحدها في العصر الذي تلى الصليب والتضحية بالذات ، كان ايمانهم عظيما لكن كان ينقصه الاستبسال في سبيل تنصيب القائد ..ولذلك قال : ( لو كانت مملكتي من هذا العالم لدافع عني خدامي ) وفي النهاية فان مملكته مدخرة لزمان آخر هو ليس الزمان الذي عاش فيه .
مستوحى من كتاب *عودة السيد المسيح*
0 التعليقات: